اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 454
كذلك كنتم تُخفون إِيمانكم بمكة كما كان هذا يخفي إِيمانه، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثالث: كذلك كنتم من قبل مشركين، قاله مسروق وقتادة وابن زيد.
قوله تعالى: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ في الذي مَنّ به أربعة أقوال: أحدها: الهجرة، قاله ابن عباس. والثاني: إِعلان الإِيمان، قاله سعيد بن جبير. والثالث: الإِسلام، قاله قتادة، ومسروق.
والرابع: التوبة على الذي قتل ذلك الرجل، قاله السدي.
قوله تعالى: فَتَبَيَّنُوا تأكيد للأول.
[سورة النساء (4) : آية 95]
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95)
قوله تعالى: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ قال أبو سليمان الدمشقي: نزلت هذه الآية من أجل قوم كانوا إِذا حضرت غزاة يستأذنون في القعود.
(340) وقال زيد بن ثابت: إني لقاعد إلى جنب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، إِذ غشيَته السكينة، ثم سرِّي عنه، فقال: «اكتب» (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون ... ) الآية، فقام ابن أمِّ مكتوم، فقال: يا رسول الله، فكيف بمن لا يستطيع الجهاد؟ فو الله ما قضى كلامَه حتى غشيت رسول الله السكينة، ثم سرِّي عنه، فقال: اقرأ، فقرأت (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون) ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ فألحقتها.
قوله تعالى: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ يعني عن الجهاد، والمعنى: أن المجاهدين أفضل. قال ابن عباس: وأُريد بهذا الجهاد غزوة بدر. وقال مقاتل: غزاة تبوك.
قوله تعالى: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة: «غيرُ» برفع الرّاء، وقرأ نافع، وابن عامر، والكسائي، وخلف، والمفضل: بنصبها. قال أبو علي: من رفع الراء، جعل «غير» صفة للقاعدين، ومن نصبها، جعلها استثناءً من القاعدين [1] . وفي «الضّرر» قولان:
صحيح. أخرجه البخاري 2832 و 4592 والترمذي 3033 والنسائي 6/ 9 و 10 وأحمد 5/ 184 وابن حبان 4713 والطبري 10244 وابن الجارود 1034 والطبراني 4814 و 4815 و 4899 وأبو نعيم في «الدلائل» 175 كلهم عن سهل بن سعد الساعدي أنه رأى مروان بن الحكم في المسجد، فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت أخبره ...
- وورد بنحوه من حديث الفلتان بن عاصم أخرجه ابن حبان 4712 والطبراني 18/ 856 والبزار 2203 وأبو يعلى 1583. وقال الهيثمي في «المجمع» 9444: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.
ويشهد له أيضا حديث البراء بن عازب أخرجه البخاري 4593 و 4594 ومسلم 1898 والترمذي 1670 والنسائي 6/ 10 والطبري 10238- 10242 والبيهقي 9/ 23. وحديث زيد بن أرقم أخرجه الطبري 10243 والطبراني 5053 وفي الباب أحاديث، فهو حديث مشهور. [1] قال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» 13/ 6- 10: والجهاد فرض على الكفاية، إذا قام به قوم سقط عن الباقين، في قول عامة أهل العلم. وحكي عن سعيد بن المسيب، أنه من فروض الأعيان، لقول الله تعالى:
انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ التوبة: 41- ثم قال: إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً. وروى أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من مات ولم يغز، ولم يحدّث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق» . رواه أبو داود. ولنا، قول الله تعالى: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ... الآية. وهذا يدل على أن القاعدين غير آثمين مع جهاد غيرهم، وقال الله تعالى: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا، ولأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يبعث السرايا، ويقيم هو وسائر أصحابه. وأما الآية التي احتجوا بها، فقد قال ابن عباس: نسخها قوله تعالى: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً رواه الأثرم وأبو داود. ويحتمل أنه أراد حين استنفرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى غزوة تبوك، وكانت إجابتهم إلى ذلك واجبة عليهم، ولذلك هجر النبي صلّى الله عليه وسلّم كعب بن مالك وأصحابه الذين خلّفوا حتى تاب الله عليهم بعد ذلك، وكذلك يجب على من استنفره الإمام لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا استنفرتم فانفروا» متفق عليه. ومعنى الكفاية في الجهاد أن ينهض للجهاد قوم يكفون في قتالهم، إما أن يكونوا جندا لهم دواوين من أجل ذلك، أو يكونوا قد أعدّوا أنفسهم له تبرعا بحيث إذا قصدهم العدو حصلت المنعة بهم، ويكون في الثغور من يدفع العدو عنها، ويبعث في كل سنة جيش يغيرون على العدو في بلادهم.
اسم الکتاب : زاد المسير في علم التفسير المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 454